اللغة و روح المعاني والمشاعر

أسيرُ برفقه صديق عندما سألني ما رأيك بالجاكت الذي ارتديه

فأجبته

لا بأس به

فنظر إلي بعينين مفتوحتين وسألني

لمَ في كل مرة أسألك فيها عن رأيك في شيء معين تجيبني

يعني ....لا بأس

وغيرها من الأوصاف الباردة

ألا يوجد في قاموس مفرداتك وصف

رائع ... ممتاز .. .جميل

وغيرها من المفردات المشجعة والحارة

فأجبته

بأن المسألة ليست مسألة برود او عجز تعبيري

كل ما في الأمر إني لا أحب استهلاك اللغة كالكثير من الناس

فأنا احتفظ بوصف ومفردة

رائع

لشيء أجده فعلاً

رائع

واحتفظ بوصف

ممتاز

لشيء أجده فعلاً

ممتاز

وهكذا أنا أريد أن اعني ما أقوله وأصفه

ولا أريد أن تذبل وتتبلد كلماتي من كثر استهلاكي لها

الناس معتادة على استهلاك كلماتها ومشاعرها وأوصافها

فمثلاً

استهلكت كلمة

بحبك

حتى أنها لم تعد ذات مفعول حقيقي وأصبحت متبلدة من فرط استهلاكهم لها

ذلك الاستهلاك الذي يهمشها ويسطحها ويسلبها معناها الحقيقي ومفعولها

استهلكت في الأغاني الهابطة وفي الروايات الخيالية وفي الأفلام الماسجة وإعلانات الشوكلاته والصابون والكريم

حتى أن معناها الحقيقي وقوتها الحقيقية ضاعت بين كل هذا الاستهلاك العشوائي لها

استهلكت حتى أصبح الناس يبحثون عن مفردات غيرها لم يستهلكوها

كـ بحبك يا حمار

هذه الكلمات المشوهة لا تـُعبر إلا عن مدى العجز الذي وصلوا إليه في استهلاك مفرداتهم

فأصبحوا يبحثون بين الكلمات عن ما يجدونه مثير وجديد والسلام

وستجد البعض الآخر مثلاً يقول لحبيبة أو حبيبته أكرهك بقصد أن يعني بها احبك والسبب

إن كلمه احبك لم تعد ذو قوة كبيرة لإيصال المعنى القوي بداخله

فكلمة بحبك أصبحت ممسوخة ومستهلكه وغير قابلة للتأثير وأعادت التصنيع الشعوري

إلا عند من احتفظوا بها في مشاعرهم وحياتهم ولم ينجروا وراء تسطيحها وتبليدها

كلمة احبك لم تزل تحتفظ برونقها ومعناها عند أولئك الذين ما زالوا يقدسونها ويخشونها

فلو ذهبت مثلاً إلى القرية لوجدت أن الكثير منهم ما زالت تثملهم وتذيبهم كلمات الغرام والحب والغزل والود بعكسنا

والسبب أن الكلمات لم تزل تعني عمقها الحقيقي في مشاعرهم

لم تزل بعيدة بشكل ما عن الاستهلاك المبتذل الذي نعيشه

اللغة هي روح المعاني والمشاعر التي تخرج منا فيجب أن لا نستهلكها ونستهلك عمقها الحقيقي ونسطحها

فتتسطح مشاعرنا ومعانينا معها

بقلم / طلال احمد

منقول مع خالص التحية وفائق الاحترام